المواعظ
%AM, %28 %010 %2018 %02:%كانون2

الأحد السادس من الدنح - "ربّنا يسوع المسيح: العريس"

كتبه
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأحد السادس من الدنح

"ربّنا يسوع المسيح: العريس" (يو 3: 22- 4: 3)

قدّمَ يوحنا المعمذان ربّنا يسوع لتلاميذه وعرفه لهم بأنه: "حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم" (1: 28)، وهو الذي سيأتي يُعمّذ بالروح القُدس، وهو إبنُ الله (1: 33-34). واليوم يُقدّمه لهم بأنهُ "العريس" وهو أحد الأسماء المُحببة لدى الله والتي بها عبّر عن محبتهِ لشعبه. انها محبةً اختارَت وغفرّت لأن رحمته تتغلّب على خيانة شعبه له كما أعلنَ عنها هوشَع النبي، والذي تزوج من آمرأة أحبها وأنجبت له أولاداً، ثم تركتهُ لتمارس البغاء فيأخذ المعابد الكنعانية، ولكنّ حبَّ النبي تغلّب على خيانتها فأعادها إلى البيت الزوجي (هوشع 1- 3)، ليؤكِد على أن حُبّ الله يتغلّب على خيانةِ الشعب لأنها محبّة أبدية لا تتغيّر بخيانةِ الإنسان، لأن الله ليس كالإنسان، ومحبتهُ تجعلهُ يجتذبُ الإنسان رحمةً: "إني أحببتُكِ حُباً أبدياً، فلذلِكَ اجتذبتُكِ برحمةٍ" (إر 31: 3)، ويأمُلُ الله أن يكون الإنسان جديراً بهذه المحبّة، وهو ما شدّدَ عليه أيضا ًالأنبياء إشعيا وإرميا وحزقيال، وغيرهم. 

علاقة العريس بالعروس، تكشِف عن طبيعة العلاقة التي تربط الله بشعبهِ بعهد أبديّ وليس مثل عقد بشري. فبخلاف كل الديانات الأخرى التي تكون فيها العلاقة مع الإله "عقدٌ" يُلزِم طرفي العلاقة بالحفاظ على بنودهِ، فإذا خالفها الإنسان إنصبَّ عليهِ غضبُ الإله. ولكن الأمر يختلِف مع الله. فالعلاقة مؤسسة على المحبّة والرأفة (العهد) وليس على العدالةِ (العقد) فحسب. فيضحّي خيرُ الشريك وسعادته همَّ الله الذي يدفعهُ إلى بذلِ ذاتهِ من أجل حياةٍ أوفر لشريكهِ الإنسان: أَيَّها الرِّجال، أَحِبُّوا نِساءَكم كما أَحَبَّ المسيحُ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها لِيُقدَسَها مُطهِّرًا إِيَّاها بِغسلِ الماءِ وكَلِمَةٍ تَصحَبُه، فيَزُفَّها إِلى نَفْسِه كَنيسةً سَنِيَّة لا دَنَسَ فيها ولا تَغَضُّنَ ولا ما أَشْبهَ ذلِك، بل مُقدَّسةٌ بِلا عَيب" (أفسس 5: 25- 27)، بل متجاوزاً له خياناته. فتجسّدُ كلمةِ الله إذاً لم يكن ليدينَ الإنسان بل ليُخلّصهُ ويُعيدَه إلى بيتِ الآب: "فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم" (يو 4: 16- 17). 

محبّة الله إذاً أختارتَ الشعب: "لا لأِنَّكم أَكثَرُ مِن جَميع الشَّعوبِ تَعَلَّقَ الرَّبُّ بِحُبِّكم واخْتارَكم، فأَنتُم أًقَلُّ مِن جميعَ الشَّعوب، بل لِمَحبَةِ الرَّبِّ لَكم ومُحافَظتِه على القَسَم الَّذي أَقْسمَ بِه لآَبائِكم أَخرَجَكُمُ الرَّب بِيَدٍ قَوِّية وفَداكُم مِن دارِ العُبودِيَّة، مِن يَدِ فِرعَونَ، مَلِكِ مِصْرَ" (تث 7: 7-8)، ووهبَ له الحكمة ليعرِف كيف عليه أن يُحافِظ على صدق هذه العلاقة وصفائها. هذه الهبّة أصبحَت هبة جسدية بربّنا يسوع المسيح حكمةُ الله (1 كورنثس 1: 24)، فأتاحَ للإنسان فرصة ليشارك في حياة الله فيصيرَ إبناً في الابن يسوع المسيح. فعندما دعا يوحّنا تلاميذهِ ليفهمواً أن الله وهبَ لربّنا يسوع أن يكونَ حاملَ بُشرى الله فهو المسيح، وإن ما يحصل هو عرسٌ حقيقي لأن العريس (يسوع المسيح) حضرَ بينهم أخيراً، فهو يدعوهم (ويدعونا) إلى التيقّظ والإصغاء إلى بُشرى الخلاص التي تجسّدت بربنا يسوع المسيح، لأن الله الآب، بمحبتهِ، جعلَ التوبة زمناً لفرحٍ، بل لعُرسٌ أبدي. فيسوع هو هبّة الله، كلمتهٌ الأخيرة، وهو دعوةٌ للإنسان إلى التوبةِ. ربّنا يسوع ليس فرصةِ للتأمل والتساؤل أو الخصومةِ، بل يقظةٌ نحو قرارٍ حاسم: "تَمَّ الزَّمانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة" (مر 1: 15). 

فبيسوع المسيح، نحن مدعوون إلى عُرسٍ، وعلينا أن نستعد للمُشاركة فيه. فنتخلّى عن إنشغالاتنا، ونخلع عنّا ما لا يليقُ بهذه الدعوة ونلبسَ ثياباً تُعبّر عن فرحنا باختيار الله لنا، شاكرين إياهُ على هذه النعمة التي تجعل مُشاركتنا صادِقة. فدعوته لم تأتنا إستحقاقاً منا بل نعمةً مجانية من سخاء محبة الله وهو يريدنا أن نكون جديرين بهذه النعمة. ربّنا يسوع عبَّرَ عن ذلك في قصّة الملك الذي أرسلَ عبيدهُ إلى الشوارع والساحات ليدعو الجميع إلى أن يُشاركهُ فرحَ عُرسِ ابنهِ (متّى 22: 1- 14)، فمعَ أن الملكَ كان مُستعداً ليستقبِلَ الجميع، إلا أنه كان ينتظر منهم أن يتهيأوا للعرس بثياب لائقة بهذا الحدث الكبير مُعبرين بامتنان عن فرح المُشاركة، لأن المَلك سيفتخِر بمَن شاركهُ الفرح، ويعني ذلك روحياً: التوبةَ الصادقة ليدخلوا عالمَ الله، ليعودَ الفرح والبسمة والجمال إلى حياتنا من جديد. فالدعوة إلى العُرس تحمل معها قوّة مُغيّرة. 

وكيف يكون التغيّير اليوم؟ 

"أَمَّا الآن فأَلْقُوا عَنكم أَنتُم أَيضًا كُلَّ ما فيه غَضَبٌ وسُخْطٌ وخُبْثٌ وشَتيمة. لا تَنطِقوا بِقَبيح الكَلام ولا يَكذِبْ بَعضُكم بَعضًا، فَقَد خَلَعتُمُ الإِنسانَ القَديم وخَلَعتُم معَه أَعمالَه. ولَبِستُمُ الإِنسانَ الجَديد، ذاك الَّذي يُجَدَّدُ على صُورةِ خالِقِه لِيَصِلَ إِلى المَعرِفَة" (قولسي 3: 8-10). فعلى سبيل المثال، أن نتخلّى عن مفاهيم المنافسة والخصومة التي عبّر عنها تلاميذ يوحنّا عندما جاؤوا يشتكون نجاح رسالة المسيح ونستيقظ لجديد الله الذي يأتينا بهِ. فالمنافسة السلبية تجعلنا نحيدُ عن "الهَدّف" الذي من أجلهِ تجسّد كلمةُ الله، وتُغذي فينا مشاعر العداوة والخطيئة، وتحرمنا من المُشاركة في هذا العُرس. رغبة المنافسة أضحّت قوّة مُدمرة لعلاقاتنا الأخوية وحتّى بعلاقاتنا مع الله الذي نتهمهُ مراراً بأنه يقف وراء سبب فشلنا، متجاهلينَ حقيقةَ أن الشّر استحوذ علينا، فصرنا نتراكض وراء الإنجازات والرُقي الإجتماعي والإغتناء المادي. وكلها تسبب لنا دماراً روحياً مؤسف وتقضي على الفرح بدعوتنا المسيحية.

قراءة 84604 مرات

3740 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *