المواعظ
%AM, %07 %300 %2018 %09:%كانون2

الأحد الأول من الدنح - أعلنُ سنةً مرضيةَ لله

كتبه
قيم الموضوع
(1 تصويت)

الأحد الأول من الدنح

أعلنُ سنةً مرضيةَ لله (لو 4: 14- 30)

أعلنّ ربّنا يسوع عن أصل رسالتهِ ومضمونها من خلال الإستشهاد بآياتٍ من نبؤة إشعيا النبي: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضاً عِندَ الرَّبّ". في ربّنا يسوع تمّت كلماتُ إشعيا النبي فظهرت هويته: إنهُ ذاك الذي مسحهُ الربّ (الماشيحا؛ المسيح) وهو يتحرّك بدافع الروح القُدس. الروح القٌدس هو الذي وجهّ نشاطه مُعبراً عن إتحادٍ مع الله الآب. تبشيره ورسالتهُ ليست إذاً بدافعٍ بشري ومن منطلقاتٍ ومُبادراتٍ بشرية، كأني به "مُعلّمٌ عظيمٌ" أو "رجلٍ حكيمٍ"، مثلما يظنهُ البعض. بل جاء بدافع من الروح القُدس يحمل رسالة للبشرية، ويدعونا إلى الإصغاء إليه. وهذا هو معنّى: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيّ"، أي أنه يحيا بفعلِ الروح القُدس. الحياة الروحية بالنسبة لنا ليست سلسلةَ تعبّدات تقوية فحسب، بل هي دعوة أن نعيش تحت أنظار الروح القُدس وأن ندعه يقود حياتنا. فالروح القُدس إذاً هو أصل رسالة ربّنا يسوع وسببها.

أما رسالته فموجهةٌ أولاً إلى الفقراء والمأسورين، للعميان وللمظلومين، ولكي يعلن سنة مرضية للربّ. سنةُ كان الشعب يحرِص على أن تكون مُكرسة كلياً لله من خلال شهادة حياة يكون لله فيها الأولوية فيُعيدون كل شيءٍ إلى حالتهِ الأصلية، كما كان في فكرِ الله، فيتحرر العبد ويُعفى الدين وتُعاد مُلكية الأشياء والأشخاص وتُبطَل زراعة الأرض ... وغيرها من التوصيات (أح 25: 8- 17)، فالإنسان أفسدَ تدبير الله في تعاملهُ المُستهلِك والأناني في العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فقد بدأت مع ربّنا يسوع بدأت سنةٌ مرضيةٌ لله، أي بدأ الزمن الإلهي، وعلينا أن نعيش حياتنا كل يومٍ واعينَ لحقيقةِ: أن أيامنا هي جزءٌ من زمن الله. هذا الزمن ليس عبثياً أو فوضوياً، بل هو زمنُ الخلاص، لأن الله أرادَ خلاص الإنسان منذ البدءِ.

ربّنا يسوع، الذي أُعلَن للجميع يوم عماذه: "أنت إبني الحبيب بكَ سُررتُ" (مر 1: 11)، أرادَ في شهادة حياتهِ أن يُبيّن معنى: "أنني إبنُ الله الحبيب"، فهذه البُشرى لم تكن مدعاة للإفتخار بل دعوة إلى الألتزام، فالأختيار: أنت محبوب (روحية)، حلَّ على ربّنا يسوع وحملَ معهُ تكليفاً (أخلاقية) بأن يكون مُحبّاً. عاش ربّنّا حياتهُ كفعلِ شكرٍ دائمٍ تحت أنظارِ الله المُحب فكان له الإله والآب، وبيّن لنا كيف نعيش كلمة الله: "أحبب الربًّ إلهكَ من كل قلبِكَ، وكلِّ نفسكَ وكل ذهنِكَ وكل قوّتكِ، وقريبكَ مثل نفسكَ" (مر 12: 29- 31)، من خلال محبّة أصيلة لا غشَّ فيها. محبّة الله تتضمّن بالضرورة الإهتمامَ بما يهتمُ به الله، ولا سيما بالإنسان الفقير والحزين والمُعذّب والمأسور والمريض.

هكذا سيكون لرسالة ربّنا يسوع المسيح إنطلاقة روحية: فالله هو الذي مسحهُ بروحهِ فكرّسه لرسالةٍ، مثلما سيكون لها مضمون يأتي كبُشرى سارّة للإنسان الفقير والمسجون والمظلوم والأعمى. لا يُمكن أن تكون المسيحية علاقة خاصّة بين الله والإنسان الفرد فحسب. بل إنطلاقة من علاقة شخصية نحو رسالة للجماعة، مثلما سيوضحّها متّى لاحقاً: "تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني، وعُرياناً فَكسَوتُموني، ومَريضاً فعُدتُموني، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ" (متّى 25: 34- 36). هذه هي أخلاقية أبناء ملكوت الله، أخلاقية تعني عملياً: أن يلتزمَ الإنسان بمسؤوليتهُ في أن يكونَ مثلما يُريده الله أن يكون: محبوباً ومُحباً. وهذا أمر يتطلب السير في طريق يقودنا فيهِ بُكرنا ربّنا يسوع المسيح، فنحن نعيش زمن رضى الله.

مع ربّنا يسوع بدأت سنة مرضية لله، اليوم ليس بعدُ يومنا بل هو يوم الله، صارَ مُلكَه. وبدءُ مسيرة الإيمان الناضج يكون عندما نعي حقيقةَ: أننا نعيشُ تحت أنظار الله الآب اليوم؛ وكل يومٍ، وهو الذي يهبُ لنا كلَّ يومٍ لنُبشِر من خلال شهادة حياتنا: أننا أبناؤهُ المحبوبونَ. وكلّما توهّم الإنسان أنه "سيّد وقتهِ" دخل في ظلمةٍ وجهالةٍ: "فقالَ لَه الله:يا غَبِيّ، في هذِهِ اللَّيلَةِ تُستَرَدُّ نَفْسُكَ مِنكَ، فلِمَن يكونُ ما أَعدَدتَه؟ فهكذا يَكونُ مصيرُ مَن يَكنِزُ لِنَفْسِهِ ولا يَغتَني عِندَ الله" (12: 20- 21).

علينا، ومثلما كتبَ بولس إلى الغلاطيين أن نتعلّم صنعَ الخير: "فما دامَت لَنا الفُرْصَةُ إِذًا، فَلْنَصنعَ الخَيرَ إلى جَميعِ النَّاس ولاسِيَّما إِلى إِخوَتِنا في الإِيمان" (6: 10). لا يجوز إضاعةُ الوقت في قضايا وأمور تافهةٍ. فكل يوم وكل لحظةٍ يهبهُا الله لنا يمنحنا فيها فرصة أن نجعل منها فرصة إرضائهِ، لأننا نعيش في زمن رضاهُ. سنة رضى الربّ فرصةٌ فيها نشكر الله على اليوم الذي يُنعِم به علينا، ودعوة إلى المثابرة على مسيرة الإيمان في سبيل تحقيق معنى حياتنا المسيحية، مٌتمثلينَ بربّنا يسوع، ومُستعدين لمواجهةِ التحديات التي نختبرها في حياتنا سواء أكانت شخصيةً أو آتية من الآخرين، كما جرى لهُ في مدينتهِ حيثُ أرادَ سُكانها أن يقضوا عليهِ "يُمسكوا به ليكونَ لهم وحدهم". هذا الثبات وهذه الأمانة متجذّرة في أمانة الله تجاهنا هو الذي يُريد بيسوع المسيح أن يصلَ إلى الجميع، إلى المُهَمَشينَ والفقراء، وأن يكون قريباً منهم. أمانة وثباتٌ من إنسان حُر ومُحب وناضجٌ، يعرِف أن الله يحبهُ. فلا يبقى لهُ، أن يبحث عماّ يُرضي أناهُ، بل عما يُرضي الله الآب. 

قراءة 7874 مرات

235 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *