المواعظ
%PM, %16 %468 %2017 %13:%نيسان

عيد القيامة - بُشرى القيامة لأعمال الرحمة

كتبه
قيم الموضوع
(1 تصويت)

عيد القيامة:

بُشرى القيامة لأعمال الرحمة

"جئنَ إلى القبرِ وهنَّ يحملنَ الطيبَ ... فوجدنَّ الحجرَ قد دُحرِجَ" (لو 24: 1- 12)

         تتفق كل الأناجيل على أن النسوة كُنَّ أولَ من تلقى بُشرى القيامة، والسبب لأنهّن بكّرن إلى القبرِ ليقمّنَ بعمل الرحمة: "تطيبُ جسّد يسوع" أو "زيارة قبرهِ كما حصل مع مريم المجدلية". لم يكن يسوع من أورشليم بل جاء من ناصرة الجليل، وتبعنهُ هؤلاء النسوة من الجليل، وشاهدَّن كيفَ أُهينَ وصُلِبَ وماتَ خارج أسوار أورشليم، فكانت المحبّة والإيمان تدفعهنَّ ليقمنَّ بهذا العمل، وهو عمل رحمةٍ مجّاني لأنه خالٍ من محبة الذات (ليس أنانياً)، ويأتي بدافعِ الإيمان به مُخلّصاً. كان تطيبُ جسد يسوع، والذي لن يكون له مَن يُكرِم جُثمانهُ بسبب العداوة التي أبداها رؤساء الشعب تجاههُ، أرفعُ أشكال أعمال الرحمة إذ لن تتوقّع النسوة أن يتلقيّن شُكراً أو مديحاً من شخص على هذا الصنيع، بل لربما يتعرّضنَّ للخطر، فكان عملاً جميلاً يُقدمنه لله جواباً لمحبتهِ لهنَّ بيسوع المسيح.

         تطلّب عمل النسوة هذا جُهداً متميزاً، مثلما يتطلّب كل عمل رحمة صادق، فبرهنوا على إخلاصهنَّ ومحبتهنَّ لربنا يسوع. محبةٌ تتغلّب على الموت وتتجاوزهُ، وعندما يُؤِمن الإنسان بالآخر ويُحبهُ، سيعمَل المُستحيل ليكون إلى جانبهِ، حتّى إن فرّق الموت بينهما. كان على النسوة أن يشترين الطيوب ويُهيّئنهُ قبل حلول يوم السبت. لقدّ كُنَّ آخر مَن تركَ القبر وأولَ الزائرين في اليوم الأول من الأسبوع (لو 23: 56)، وقُمنَّ بمسيرة طويلة بدأت مساء السبت ليصلّن إلى القبر صباح الأحد عند الفجر.

         لم تكن المرّة الأولى التي ينالُ فيها الإنسان في الكتاب المُقدس "بُشرى سارّة" تجاوباً مع عمل رحمةٍ يقوم به. فسفرُ التكوين يروي لنا أن إبراهيم سجدَ طالباً من ثلاثة رجالٍ غرباء وقفوا أمام خيمتهِ يوماً: "سيدي، إن نلتُ حظوة في عينكَ، فلا تجز عن عبدِكَ، فيُقدم لكم قليلٌ من الماء فتغسلونَ رجلكُم وتستريحونَ تحت الشجرة، وأقدم كِسرة خُبزٍ فتسندون بها قلوبكم ثم تمضونَ بعد ذلك" (تك 18: 3- 4). لقد رأى بعيون الإيمان مالم يراه كثيرون غيرهُ، مثلما رأت النسوة في يسوع ما لم يراه كثيرون حتّى أقربُ الناس إليه، تلاميذهُ. فدخل الرجال الثلاثة خيمةَ إبراهيم وحظيوا بضيافة متميزة منه أشرف هو بنفسهِ على ذلك، فنالَ هو بُشرى الحبل بإسحق، من رحمٍ ساري الميّت، فكان إبن الوعد وإبن الرجاء.

         ففي سنة الرحمة تدعونا أمنا الكنيسة لأن نشهدَ لرحمة الله المُحبة التي صارت لنا بيسوع المسيح، وجه رحمة الآب. ربّنا مدَّ يدهُ الرحومة والشافية لكل مَن إلتقاهُ، وهو يُريدنا أن نواصِل رسالتهُ هذه. هذا ما دفعَ الأم تريزا والتي سنحتفل هذه السنة بإكرامها "قديسة" لأن تترك ديرها وتتوجّه إلى شوارع كلكُتا، ومن ثمة إلى مُختلَف بُلدان العالم، لتعتني مع أخواتها بالمُهَمَشين والمتروكين، وتُقدم لهم الإكرام اللائق بهم من دون السؤال عن دينهم أو عرقهم أو جنسهم، ليعيشوا لحظاتٍ يشعرون بها بإنسانيتّهم التي فقدوها من جراء الظلم المُنتشِر في عالمنا. لقد قالها أحدهم لها: "عُشتُ حياتي كالحيوان، وها أني أموت كالملاك بسبب محبتك وإعتنائك". لم يقم بإدانةِ الآخرين ولم يطلب الإنتقام لتعاسة حياتهِ، بل غادرَ الحياة محبوباً، مثلما لم يذكر ربّنا يسوع جمعة الخيانة والرفض والعذاب والموت، بل سلّم روحهُ بيد الله القدير. جميلٌ أن يودعنا الناس وهم يحملون ذكريات طيّبة عنّا. 

إيمانٌ النسوةِ ومحبتهنَّ، إيمانٌ مريم ومحبتها، قادهنَّ ليكونوا قُربَ يسوع. زيارة القبرِ لم تكن للبُكاء عليه فحسب، بل كانت لإكرامهِ وللصلاةِ من أجلهِ، وهو عمل رحمةٍ روحي تطلبهُ الكنيسة منّا دوماً ولاسيما في هذه السنة، سنةُ الرحمةِ. ولأنهنَّ بكّرنَ نحو القبرِ تلقينَ البُشرى السارة: "إنه قام، إنه حي"، فالمحبة التي عاشها لن تموت لأنه لم يأتِ ليموتَ بل تجسّد ليُحيي ما كان ميّتاً، ولن تقوى عليه أبواب الجحيم، لذا، أقامهُ الله ربّاً مثلما أقامَ لأبراهيم الشيخ نسلاً. ربنا يسوع المسيح، وجهُ رحمة الله الآب، والذي بشّرنا بمحبةِ الآب حناناً وغفراناً وطيبةً، رفعَ الحجارة (الخطيئة) التي كانت تمنعُ الإنسان من أن يكون في شِركة تامّة مع الله، مؤمناً أن في المحبّة كل الحياة، وهكذا لم يتمكن الموت من أن يغلب الحياة، بل إنهزمَ البُغض أمام المحبة، فجاءت البُشرى للساهرين وللذين يبحثون عنه، النسوة.

إخوتي وأخواتي،

عالمنا ينتظرُنا اليوم لنكون "رُحماء"، وهذه الرحمة تبدأ في قبول رحمةِ الله لنا الذي رفعَ عن حياتنا حجارة الخطيئة ومكّننا من أن نقترِبَ منه ونشترِكَ في وليمة المحبة التي أعدّها لا. فلا وقت لنا للتباكي على الماضي وعلى خطاياهُ وأخطاءهِ، فهذه كلّها تحت عناية الآب المُحِب. نحن مُطالبونَ بأن نُظهِر في حياتنا أننا أبناءُ القيامة. فإذا لم يرَ الناس فينا ثمارَ قيامة ربّنا يسوع المسيح اليوم، يكون إيماننا باطلاً! عالمنا ينتظر أن يشهد لحياة ربّنا يسوع فينا: " فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيَّ" (غلاطية 2 : 20).

اليوم قام المسيح يسوع، واليوم نحن مدعوون لأن نشهدَ لفعلِ الله العظيم في حياتنا. لنسمَح لله أن يرفع عن قلوبنا حجارة الغضب والعداوة والخصام والحسد والنفاق والكذب! فالقيامة في حياتنا، ليست إحتفالاً لذكرى حدث مضى، بل حياة متجددة وقيامة مُستمرةُ لا توُصفَ بالكلمات، بل تُعاش من خلال حياتنا التي يُباركها الله بالفرح والمحبة والسلام. بالرأفة واللطف والحنان. بالصدق والأمانة والشجاعة. 

 

موعظة عيد القيامة

قراءة 27458 مرات آخر تعديل على %PM, %23 %472 %2017 %13:%نيسان

1760 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *