المواعظ
%PM, %30 %620 %2016 %16:%تشرين1

الأحد الأول من تقديس البيعة - المحبّة تُقدِسُ الكنيسة

كتبه
قيم الموضوع
(2 أصوات)

الأحد الأول من تقديس البيعة

المحبّة تُقدِسُ الكنيسة (1 قور 12: 28- 13: 13)

في الأحد الأول من أسابيع تقديس البيعة تدعونا أمنا الكنيسة لنتأمل في كلمة الله التي اختارتها لنا فنقرأ في رسالة بولس إلى كنيسة قورنثية المُضطربة بخلافاتٍ داخلية بين أعضائها أن المحبة تعوزهم كثيراً. خلافاتٌ جاءت نتيجة تفكير خاطيءٍ حول المواهب التي أنعمَ بها الله على الأعضاء فراحوا يتنافسون فيما بينهم حسداً وبُغضا فكان الشقاق والتحزبُ، وهذه علامة واضحة على أنها جماعة خالية من المحبة، لأن المحبة تبني الكنيسة ولا تًفرِقها، وأولى مفاعيل الروح القُدس هو وحدةُ مَن يُحِب. ولم تكن المحبة في المسيحية يوماً تعليماً بل كانت وصيةً وأمراً من ربنا يسوع: "بهذا أوصيكم أن يُحِبَ بعضكم بعضاً كما أنا أحببتُكم" (يو 15: 12).

دبّر الله الآب بمحبته الكنيسة من خلال المواهب التي أنعمَ بها على أعضائها، فالموهبة ليست لشخصي أنا مثلما يعتقد البعض ليمضي متفاخراً بها، بل هي لخدمة الكنيسة، لبُنيان جسد المسيح، مثلما أن كل تكليفٍ أو أختيار ليس للإفتخار بل للرسالة، ولرسالة مسؤولةٍ. إلهنا، ولأنه أبٌ محُبٌ وهبَ للبعض أن يكونوا رُسلاً، وللآخرين أنبياء وغيرهم معلمون، فالمواهب على إختلافها هي من أجل بُنيان الكنيسة، ولكن الأهم، أن تكون كلّها متجذرة في الله، المحبة، لتكون نعمةً على الآخرين. فالكنيسة تتقدس بمحبة أعضائها لا بمعارفهم وأعمالهم  ومنجزاتهم. هذا ما نتعلمهُ في الأحد الأول من تقديس الكنيسة.

دعا ربّنا يسوع المسيح الرسول بُطرس ليكونَ صخرةً يبني عليها كنيستهُ، وهذا ممكن إذا كان مؤمنا (أميناً) في تباعته ِلمعلمه الذي سيُعاني العذاب والموت محبة لله وللإنسان. فلا يُمكن الفصل بينهما، رئاسة بُطرس للكنيسة تتطلّب منه بالضرورة إيماناً مُخلصاً لربنا يسوع ومحبةٌ قُصوى له، هذه هي أفكارٌ الله، بل تدبيرهُ. محبة تطلب من الإنسان أن يعطي كل ما لديه، حتّى القليل الذي يعتقد أنه كفافهُ للحياة، تماماً مثل أرملة صرفةً التي طلبَ منها إليها النبي أن تخبُزَ له الطحين القليل الذي كان سيُديم عليها الحياة أياماً، لتتفاجأ بما سيكفي لها لسنواتِ (1 مل 17: 7- 16). إلهنا يطلُب منّا أن نُعطي القليل الذي لنا، ليُباركنا بالمزيد منه نعمةً، شرطَ أن نُعطيه بمحبةٍ. 

ولكن ما هي طبيعة هذه المحبة وكيف لها أن تبني؟

يُجيب مار بولس قائلا: "الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (1 قور 13: 4-7). هذه المحبة هي محبة أعمال لا تعاليم. محبةٌ تسعى لخير الآخرين ومنفعتهم، لذلك لا تدينهم ولا تحكُم عليهم، أو تحطَّ من كرامتهم، فمثل هذه الدينونة مرفوضة: "لا تدينوا لا لئلا تُدانوا" (متى 7:1)، بل أن ربّنا يسوع يُشبه فعل الدينونة بالخشبة التي هي أعظم من خطيئة القريب (القذى). ففي اللحظة التي نتوقف فيها عن دينونة الآخرين، في تلكَ اللحظة يسري الروح القُدس فينا ويُنعِش حياتنا فنرى أنفسنا مسؤولون عن بناء الكنيسة وتقديسها، لا من خلال التفاخُر بما لنا من مواهب وإذلال الآخرين، بل من خلال الإلتزام بما أُعطينا من مسؤولياتٍ والعمل على أن تكون في خدمة كل مَن يضعهُ الله في طريق حياتنا. ويُعلّمنا مار بولس اليوم، أننا مسؤولون عن بناء الكنيسة، فكل واحدٍ منّا مسؤولٌ عن ما كلّفهُ الله به، ويُمكن له أن يعرِف مسؤوليتهُ إن أحبَّ مَن هم من حولهِ. فيُعاملهم بلطفٍ ويحترِمهم ويُبارِك بمواهيهم ويشكرُ الله ويشكرهم على حرصهم، ويُفكِر في خيرهم الروحي والزمني ويفرَح لفرحهِم. كلّها مواقف عملية وليست تعاليم نظرية.

فالكنيسة جماعة المحبة وتتقدس بمحبة أعضائها، وبسبب كونها جماعة محبّة إنتشرت في القرون الأولى. لقد عبّر المسيحيون الأوائل عن محبتهم من خلال مُشاركة الآخرين بكا يملكون، فلا يكون بينهم محتاج: "وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعاً وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً. وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ" (أع 2: 44- 45). لم يكن القصد أن يُصبحوا كلّهم فقراء، بل أن لا يكون بينهم محتاج. فكانوا يتقاسمون كل شيءٍ فيما بينهم. يُعطعون القليل الذي عندهم بمحبةٍ.

فإذا أردنا أن نُساهِم في بناء جسد المسيح وتقديسهِ، علينا أن نُحب الله ونشكره دوماً على أنه أختارَ مركبنا، مثلما اختارَ مركب بطرس الذي أعلنَ أنه رجل خاطئٌ لا يستحقُ (لو 5: 8)، ليجعل منه صخرة للكنيسة. 

 

0526e34367146c

قراءة 59714 مرات

3746 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *