الأحد الثاني من الدنح
ربّنا يسوع المسيح كلمة الله (يو 1: 1- 28)
في البدء كان الكلمة ... هذا معناه أنه لم أفهم العبارة لم يكن فيه الكلمة، لأن الله هو الكلمة. ومنذ بدء الخليقة أرادَ الله أن يكونَ م
الأحد الثاني من الدنح
ربّنا يسوع المسيح كلمة الله (يو 1: 1- 28)
في البدء كان الكلمة ... هذا معناه أنه لم أفهم العبارة لم يكن فيه الكلمة، لأن الله هو الكلمة. ومنذ بدء الخليقة أرادَ الله أن يكونَ معنا، أن يُحدثنا وأن نسمعهُ، فكلّمنا من خلال الأنبياء وأسمعنا صوتهُ، ولم يكتفِ بهذا، بل اتخذ جسداً وصار انساناً وحلَّ بيننا، ليكون كلامهُ موجهاً لا لمسامعنا بل لأجسادنا أيضاً. صارَ الله مسموعاً ومرئيا وملموساً في يسوع المسيح أيضاً: "ذاك الذي كان منذ البدء ذاك الذي سمعناه ذاك الذي رأيناه بعينينا ذاك الذي تأملناه ولمسته يدانا من كلمة الحياة" (1 يو 1: 1). وهذه هي بُشرى المسيحية فليس الله إلهاً يُعبدُ ويُكرَم، بل هو أبٌ تربطه به علاقة حميمة. وقد قرر أن يكون معنا: عمانوئيل: الله معنا. الله الذي كلّمنا عبر الأنبياء قرر أن يُحاورنا وجهاً لوجه بشخصِ ابنهِ يسوع المسيح. فالمسيح يسوع هو الله نفسه بيننا. فلم يُرسل الله كلمتهُ لينقلها لنا الأنبياء، بل صارَ بيننا كلمةً حيّة تبعث فينا الحياة.
ففي ربّنا يسوع قالَ الله كل ما أراد أن يقوله لنا، وكل ما كان له ان يقوله لنا لم يحفظ لنفسه بشيءٍ بل أعطى كل ما لديهِ حتّى بذل الذات. ولا يُمكن أن نكون من دون الله: "به كان كل شيءُ وبغيره ما كان شيءٌ مما كان". تجربة عالمنا كانت وما زالت هي أنه يتوهّم أنه قادرٌ على العيش من دون الله، والحال كل حياة تُعاش من دون الله تكون فارغة وتافهة وباطلة. قبول العيش مع الله يعني قبول الحياة والإصغاء إلى النور، يسوع المسيح. وهكذا سنسمح لكلمة الله، ربنا يسوع المسيح بأن يُحولّنا إلى "كلمةُ الله"، فالروح القُدس الذي حلَّ علينا يومَ معموذيتنا يُريدنا أنبياء الله، أن نكونَ فمهُ على الأرض، حتّى نصير نحن الكلمة. يروي لنا آباؤنا الروحيون عن كاهن سأل معلماً يهودياً:
الكاهن: ما الذي حذفهُ يسوع الناصري من التوراة؟
المعلم: لا شيء.
الكاهن: وما الذي أضافهُ إلى التوراة؟
المعلم: نفسه هو. أي صارَ هو نفسهُ توراة الله.
ولكن، ما فائدة أن يُكلّمنا الله بيسوع المسيح؟
عندما يُصبح الله إنساناً بيننا فهذا يعني انه ينتظر منّا أن ندخل معهُ في علاقةٍ شخصيةٍ، فلا يكفي أن نسمعَ كلامهُ ونتأمل فيه، بل نحن مدعوون لنكون معهُ ويكون فينا. كل شيءٍ صارَ موجهاً إليهِ. وإذا خلقَ الله الإنسان على صورتهِ ومثالهِ (تك 1: 28)، فمعنى أنه خلقهُ إنساناً قادراً على الحديث والحوار وإقامة علاقة مع الآخرين. وان يكون الانسان مخلوقاً على صورة الله ومثالهِ يعني أن "يتكلّم الإنسان كلام الله"، وكلام الله هو حياةٌ ونورٌ ومحبةٌ ونعمةٌ. حتّى اذا أرادَ ان يُحاسِب الإنسان، فانما ذلك يكون بدافع محبته اللامتناهية له أن ينمو الانسان في القامة والحكمة، لأن الله محبّة. وهذه العبارة تختصر كل تاريخ العلاقة بين الله والإنسان، وهي عبارة لا ينبغي للإنسان أن ينساها، وهذه المحبة وحدها قادرةٌ على إحياء الإنسان في الحقيقة.
تجسّد كلمة الله، ربنا يسوع المسيح، الذي كان منذ البدء عند الله، لكي يُعلّمنا كيف نسمع كلمة الله ونحياها، وكيف نتكلّم كلامَ الله، كلامَ المحبة والنعمة مع الإنسان. فيُعدّل أولاً كلامنا مع الله ويجعله كلام شُكرٍ وحمدٍ ملؤه إيمانٌ ومحبة له. ويُصحح كلامنا مع الإنسان ليكونَ صادقاً فيه الحياة والحقيقة. لأننا لا نُحسنُ الكلام مع الإنسان مثلما لا نعرف كيف نحاور الله، لذا، فالله نفسه علّمنا كيف نُصلي إليه، وكتاب المزامير، وهو صلوات أوحيت لنا بالروح القُدس يُعلّمنا كيف نُصلي إليهِ، وكيفَ نحاورُ الإنسان بالمحبة.
فإذا تأملنا كلامنا اليوم تُرى ما الذي سنكتشفهُ؟ أهو كلامٌ صادقٌ مُحي أم إفتراءٌ مميتٌ؟ لقد صلّى أحدهم يوماً قائلاً: "يا رب خذ منّا الكلام واترك لنا الإنسانية لنفهم بعضنا بعضاً فلا نُقاتل واحدنا الآخر بسبب كلامنا. وعندما سألوا أحد أباطرة الصين: ما الذي يُمكن للإنسان أن يعمله ليجعل العالم حسناً؟ أجاب: أن يُغيّر كلامهُ؛ أي أن يُعطي للكلام معناه الحقيقي. لذا، شدد مار بولس على ضرورة أن يكون كلامنا نافعا، بل نعمةً في حياة الآخرين: "لا تخرجن من أفواهكم أية كلمة خبيثة، بل كل كلمة طيبة تفيد البنيان عند الحاجة وتهب نعمة للسامعين" (أفسس 4: 29). فالكلمة السيئة ستكون دوماً تلك الكلمة الخالية من المحبة، والكلمة الطيبة هي تلك الكلمة التي تُعطي الرجاء، وفيها الكثير من المحبّة فتهبُ الحياة. الكلمة السيئة تعبيرُ عن الظلمات التي فينا والتي تسعى إلى إخفاء النور الذي أنعمَ به ربّنا علينا، فتمنعنا من لقاءِ أخينا الإنسان بل تُبعدنا عنه. يقول أحدهم أنه أخذ عائلتهُ يوماً إلى شاطئ البحر في نزهةٍ، وفيما كان أبناؤُه الثلاثة يلعبونَ مرّت أمرأة عجوزٌ وفي يدها كيسٌ تلتقط فيه ما تجمعه من الأرض، فدعا أبناءَه وحذرهم منها قائلاً: إبتعدوا عنها لئلا تؤذيكم. ولكنه عرِفَ بعد أيامٍ أنها امرأة تعوّدت على المرور كل يوم على شاطئ البحر لتلتقط بقايا الزجاج المتكسر فلا يجرح أقدام الصبيان وهم يلعبونَ.
فلنُصل إلى ربنا يسوع المسيح، كلمة الله المحي ليُباركنا بكلامٍ صادقٍ ومُحب، فنهبَ من خلال كلامنا النور لمَن دعانا لنشهدَ أمامهم عن حقيقة كوننا مخلَّصينَ بالمسيح يسوع.