الأحد السابع من الرسل
مُقاسمة الحياة لا مُقاسمة الطعام (لوقا 13: 22- 35)
رأى أحدُ المعلينَ الكبار رؤيةً يوماً، أنه وبينما كانَ سائراً شاهدَ لافتتينِ مُعلقتينِ أمام جمهورٍ من الناس، كُتِبَ على أح
الأحد السابع من الرسل
مُقاسمة الحياة لا مُقاسمة الطعام (لوقا 13: 22- 35)
رأى أحدُ المعلينَ الكبار رؤيةً يوماً، أنه وبينما كانَ سائراً شاهدَ لافتتينِ مُعلقتينِ أمام جمهورٍ من الناس، كُتِبَ على أحدها: هنا الدخولُ إلى الملكوت، وكُتِبَ على الأخرى: هنا محاضرة عن الملكوت. فاتجه الناس كلّهم نحو اللافتة التي تقول: هنا محاضرة عن الملكوت. وهذا هو حالنا كُلّنا نحن الذين نبحث عن معلوماتٍ عن يسوع المسيح وعن مسيحيّتنا، ونتنسى مُتكاسلينَ، وأحياناً كثيرة متعمدينَ: كيف نعيشُ مسيحيّتنا؟ كيف نُظهر ثمارَ معموذيّتنا؟ لذا، يُوجه إلينا ربّنا يسوع اليوم: بشارة وتنبيهاً: كثيرون سيخلصون، ولكنَّ ليس بالضرورةِ أن تكون انت يا مسيحي واحداً منهم، فعليكَ أن تجتهد في الدخول؟ نعم هي حربٌ كما يقول مار بولس لتلميذه طيمثاوس: "أما أنتَ، يا رجل الله، فتجنّبَ هذا كلّهُ، وأطلبَ البِرَّ والتقوى والإيمانَ والمحبّةَ والصبرَ والوداعةَ. وجاهد في الإيمان جهاداً حسناً وفُز بالحياة الأبدية التي دَعاكَ الله إليها وشَهِدتَ لها شهادةً حسنةً بحضور شهودٍ كثيرين". (1 طم 6: 12).
العالم كلّه مدعوّاً لأن يسمع لبشارةِ ربّنا يسوع المسيح: "وسارَ في المُدنِ والقُرى، يُعلّمُ وهو في طريقهِ إلى أورشليم"، ولكنَّ الطريق إلى ملكوتِ الله طريقٌ صعبٌ وبابهُ ضيّقُ، لذا، لا يُمكن للمُعجبينَ بيسوع أن يدخلوه، أو الذين يعرفوه أن يكونوا معه، بل أولئكَ الذين يجتهدونَ ليعرفهم ربّنا يسوع المسيح، فليس المهم أن نعرِف يسوع، بل أن يعرفنا هو. والحقيقة التي علينا أن نتذكّرها دوما: أن باب الدخول لن يكون مفتوحاً دوماً، فالساعة ستحينُ عندما يُغلقُ الباب. فربُّ البيت سيرفض دخولَ كثيرينَ يعتقدون َأنهم مدعوونَ، وسيدع آخرين لا نتوقّع دخولهم ليكونوا معهُ، فعلينا أن نجتهد لندخل من الباب الضيّق، لأن القضية ليست أننا تقاسمنا الطعام مع ربّنا، بل تقاسمنا الحياة وهذ هو الأهم. ولكن لماذا لمن يتمكّن الناس من الدخول؟ وما الذي يجعلهم بعيدين عن الباب؟ ولما جاؤوا متأخرين؟
نحن معمذون بإسم الآب والأبن والروح القدس، وأُرسلنا لنحملَ للعالم ربّنا يسوع المسيح، ولكننا نتكاسل مراراً عن إتمامِ رسالتنا، وبهذا نبتعد خطواتٍ وخطواتٍ عن الباب، فحين يُغلقُ الباب، لن نكون قريبين حتى نتمكّن من الدخول. وغيرنا يحاول تمجيد ذاته عوضَ أن يجعلَ من حياتهِ فرصة تمجيد الله، فينتفِخ ويكبر حتى يصعبَ عليه دخولَ البابِ الضيّق، فيما يطلب منّا إلهنا أن نتواضع حتى نتمكّنَ من دخولِ البابِ الضيّق، فكثيرون سيحاولونَ، وقلةٌ سيدخلونَ، لأن الذي سيدخل عليه أن يُبرهِن في حياتهِ أنه مُستحقُ الدخول، وأعمالهُ تشهدُ له، ومسيحيتنا لا تتحملُ التأجيل.
لذا، كان جوابُ ربّنا للرجل الذي سألهِ: يا سيّد، أقليٌل عدد الذين يخلصون؟" هو: اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيّق." يعني، ليس عليك أن تُفكّر يا إنسان كم هو عدد الذين يخلصون، بالحقيقة هم كُثر، ولكن أجتهد يا مسيحي في حياتكَ لتستحقَّ الدخول، مؤمناً أن الله وحده، كونهُ الربُّ الإله، هو الذي سيُقرر مَن يدخل ومَن يبقى، فالخلاص هو دعوةٌ موجهةٌ للجميع، ولكنَّ القلةَ هم المُختارون. فلا إهمالَ وتأجيلَ ولا تكاسل لمَن سمِعَ الدعوة، فعليهِ أن يُظهِر في حياتهِ أن الله مّسهُ في الصميم، وهذا يكفيهِ. فالخلاص لن يكون لأننا عملنا ما يستحقُ أن ندخل، بل لأنه قرارُ الله الحرُ ليكونَ نعمةً نشكره عليها، فتكون عبادتنا له نزيهةً صادقةً لا مصلحةَ فيها. لذا، يدعونا ربّنا لنجتهدَ في الدخولِ.
يروي لنا آباؤنا الروحيون عن امرأة غنيةٍ اعتادت أن تعيش حياةً مُترفةً. رأت يوماً رؤيةً أنها ماتت وقبلتها ملائكةُ السماء وحملوها إلى الفردوس، فساروا أمامها ليُدلّوها على المسكن الذي هُيأَ لها. اجتازت بين العديد من القصور، وكانت تعتقد أنها ستسكنُ احدها، حتى وصلوا إلى بيتٍ صغيرٍ جداً، فقدموها لها، وقالوا: هذا هو بيتُكِ؟ فغضبَت واعترضت قائلة: لمن هذه القصور؟ ولما أنا في بيتٍ صغير؟ فأجابها الملاك: يا امرأة نحن بنيننا لكَ في السماء كلَّ ما أرسلتهِ لنا من الأرض، ويُؤسفنا أنّكِ لم تُرسلي الكثير. عرفت المرأة حينها أن كلَّ ما أُعطيَّ لها هو للمُقاسمة وليس للمنافسةِ، فراحت تبني لها مسكناً سماوياً بأعمالِ الرحمة التي عملتها شاكرة الله على دعوتهِ لها.
بشارةُ إنجيل ربّنا اليوم هي بشارة للعالم ِأجمع، فعندما نسعى كمسيحيين لأن ندخل الباب الضيّق، فمعنى ذلك أن حياتنا ستكون مُميزة عن حياة مَن هم من حولنا، ففيها صدقٌ ولطفٌ ومحبة وسلامٌ وتواضعٌ ورأفةٌ، وهي حجارة كريمةٌ في الطريق نحو الملكوت. وهكذا، سيخلُصُ العالم لأننا التزمنا دعوتنا. فلا يكفي أن نكون مُعمذين، بل علينا أن نعيشَ عماذنا، فالمشاركة في وليمةِ الملكوت ستكون للذين تبعوا ربّنا يسوع على الرغم من ضعفهم ونقائصهم، ولكنهم أحبوا يسوع ولم يكتفوا بمعرفتهِ فحسب.